سورة النحل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} جزاء سيئات أعمالهم {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وأحاط بهم جزاء استهزائهم: {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَئ نَّحْنُ وَلآ ءابَآؤُنَا} هذا كلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقاداً لكان صواباً {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَئ} يعني البحيرة والسائبة ونحوهما {كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي كذبوا الرسل وحرموا الحلال وقالوا مثل قولهم استهزاء {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} إلا أن يبلغوا الحق ويطّلعوا على بطلان الشرك وقبحه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله} بأن وحدوه {واجتنبوا الطاغوت} الشيطان يعني طاعته {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله} لاختيارهم الهدى {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} أي لزمته لاختياره إياها {فَسِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} حيث أهلكهم الله وأخلى ديارهم عنهم. ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمانهم وأعلمه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة فقال: {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} بفتح الياء وكسر الدال: كوفي. الباقون: بضم الياء وفتح الدال، والوجه فيه أن {من يضل} مبتدأ و{لا يهدي} خبره {وَمَا لَهُم مِّن ناصرين} يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الذي أعد لهم. {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} معطوف على {وقال الذي أشركوا} {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ بلى} هو إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا} وهو مصدر مؤكد لما دل عليه {بلى} لأن {يبعث} موعد من الله وبين أن الوفاء بهذا الوعد حق {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن وعده حق أو أنهم يبعثون.


{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} متعلق بما دل عليه {بلى} أي يبعثهم ليبين لهم، والضمير ل {من يموت} وهو يشمل المؤمنين والكافرين {الذى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} هو الحق {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} في قولهم {لا يبعث الله من يموت} {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي فهو يكون، وبالنصب: شامي وعلي، على جواب. كن {قولنا} مبتدأ و{أن نقول} خبره و{كن فيكون} من (كان) التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف، وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد تبين أن مراداً لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل ولا قول ثَم. والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات؟ {والذين هاجروا فِى الله} في حقه ولوجهة {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هم رسول الله وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله، منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين، ومنهم من هاجر إلى المدينة {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدنيا حَسَنَة} صفة للمصدر أي تبوئة حسنة أو لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم {وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ} الوقف لازم عليه لأن جواب {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} محذوف والضمير للكفار أي لو علموا ذلك لرغبوا في الدين أو للمهاجرين أي لو كانوا يعلمون لزادوا في اجتهادهم وصبرهم {الذين صَبَرُواْ} أي هم الذين صبروا أو أعني الذين صبروا، وكلاهما مدح أي صبروا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤوسهم، وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي يفوضون الأمر إلى ربهم ويرضون بما أصابهم في دين الله. ولما قالت قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً نزل.


{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ} يوحى اليهم على ألسنة الملائكة. {نوحي} حفص {فاسألوا أَهْلَ الذكر} أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشراً. وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} أي بالمعجزات والكتب والباء يتعلق ب {رجالاً} صفة له أي رجالاً ملتبسين بالبينات، أو بأرسلنا مضمراً كأنه قيل: بم أرسل الرسل؟ فقيل: بالبينات، أو ب {يوحي} أي يوحي إليهم بالبينات أو ب {لا تعلمون}، وقوله: {فاسألوا أهل الذكر} اعتراض على الوجوه المتقدمة وقوله {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا به وأوعدوا {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} في تنبيهاته فينتبهوا {أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات} أي المكرات السيئات، وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله عليه السلام {أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض} كما فعل بمن تقدمهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} أي بغتة {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ} متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} متخوفين وهو أن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف قوله {من حيث لا يشعرون} [الزمر: 25] {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم، والمعنى أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فإنما رأفته تقيكم ورحمته تحميكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8